" فترك ثوبه في يدها وهرب "
(تك12:39)
قال الملاك للوط: " اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ، لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ، اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلَّا تَهْلَِكَ " ( تك17:19).
ومعلمنا بولس ينصح تلميذه تيموثاوس قائلاً: " أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا " (2تي22:2)، ويُعلل ذلك بأنَّ: " الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ " (1كو33:15).
أمَّا داود النبي فيقول: " طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ " ( مز 1:1).
والقديس أندراوس الدمشقيّ كان يُناجي نفسه قائلاً: يا نفسي إهربي مثل لوط من حريق الخطية، فرّي من سدوم وعمورة، إهربي من لهيب كل شهوة بهيمية ".
فحاول أن تهرب من الأشياء التي تُسقطك في الخطية، ولا تظن أن هذا ضعف، فالهروب من الخطية فضيلة وقوة.. لأنّه يدل علي أنَّ القلب من الداخل يكره الخطية، ولا يرغب التمرغ في وحلها.. كما أنَّه لا يريد معاشرة الخطاة وصحبتهم، وتذكر أنَّ هروب يوسف الصديق من امرأة فوطيفار، كان هو السبب في عدم سقوطه، ولولا هروبه لكان قد سقط وتدنّس وأغضب الله.
وهنا نتسائل: أيهما كان أقوي: شمشون الذي غلب الأسد وهُزم من شهواته، أم يوسف الذي غلبه إخوته لكنّه غلب شهواته ولذاته؟.. حقاً: لقد كان شمشون القوي ضعيفاً أمام شهواته.. بينما كان يوسف الضعيف قوياً لأنّه انتصر وغلب شهواته.. ولهذا فيوسف يُعد أقوي من شمشون، وقد انطبق عليه قول معلمنا بولس: " لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ " (2كو10:12).
يقول القديس أُمبروسيوس
" إنَّ شمشون القادر الشجاع غلب الأسد، لكنه لم يستطع أن يغلب هواه، وقطع وثق أعدائه لكنه عجز عن قطع شهوته، وأحرق أكداس الظالمين ولكن أحرقه لهب اللذة المحظورة التي أوقدتها فيه امرأة واحدة ".
قد تكون مسببات الخطية نابعة من داخلك، وكما يقول معلمنا لوقا البشير: " اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ " ( لو 45:6).
أو من حواسك التي تجمع مناظر وأحاديث تتعبك وتتسبب في سقوطك.. أو من أفكارك.. ولهذا يجب علي الإنسان أن يضبط نفسه ويتحكم في حواسه، كما قال القديس بولس الرسول: " َمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ " (2كو5:10).
وقد تكون المسببات من الشيطان الذي يستطيع أن " يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! " (2كو14:11)، وكثيراً ما يقدم أفكاراً خاطئة ليسقط البشر، كما قدّم للسيد المسيح في التجربة علي الجبل ثلاثة أفكار (مت4 )، أو يظهر في رؤية أو حلم، ولهذا يقول يوحنا الحبيب: " لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ " (1يو1:4).
وفي مواقف كثيرة تكون مسببات الخطية، من الأقرباء والأحباء.. فآدم آتته العثرة من حواء امرأته.. ويعقوب من أمه التي دبّرت له الحيلة.. وشمشون من دليلة التي أحبها.. وآخاب من إيزابل زوجته..
وما أكثر الأطفال في البيوت، الذين تأتيهم العثرة من والديهم، سواء عن طريق الشتائم أو الألفاظ القبيحة التي يسمعونها.. أو من مناظر اعتداءات الرجل علي زوجته التي يرونها..
فالأفضل أن تبعد عن كل الأشياء، التي تتسبب في سقوطك في الخطية حتي لا تؤثر عليك، واهرب من كل الذين يجذبونك إلي أسفل، ويفقدونك روحياتك.. ولا تُدخل نفسك في تجربة قد لا تستطيع أن تخرج منها..
ولا تظن أنك أقوي من شمشون الذي سقط، أو داود الملك، أو غيرهما.. فالخطية هي التي " طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" ( أم 26:7).
وتذكّر ما قاله مار إسحق السريانيّ: " تحكّم قبالة مسببات الآلام فتهدأ منك الآلام من ذاتها "، كما قال أيضاً: " لا يتحرر الإنسان من لذة الخطية ما لم يمقط سببها من كل قلبه مقطاً نهائياً ".
والقديس دوروثيئوس يقول: " يجب علي الإنسان أن يقتلع، لا الشهوات فحسب بل وأسبابها، ويسمّد حاله بسماد التوبة، عندئذ يلقي البذار الحسنة، أي الأعمال الصالحة ".
أمَّا القديس باسيليوس فيقول: " إذا إدَّعي رجل أنَّ معاشرة النساء لا تضره، فهو إمَّا أن يكون ليس برجل، وإمَّا أنَّه لا يشعر بتأثير المُغريات ".
فهل وصلت للدرجة التي لا تتأثر فيها بالنسـاء ؟!
أعتقد أنها درجة القديسين الكـاملين ، فالأفضل لك
هو البعد عن كل المسببات التي تُسقطك في الخطية