قصة قصيرة للأطفال من الأدب المسيحي الروسي
في قديم الزمان، على قمة جبل عالٍ جداً وفوق الغيوم بكثير، عاش عملاق وابنته العملاقة. كان لهما بعض الجيران من العمالقة الذين غالباً ما يتبادلون معهم الزيارات. لكن كل هذه الوجوه صارت مألوفة عند العملاقة إلى درجة صارت تتعب من رؤيتها. لقد استنفدوا كل المواضيع التي يمكن مناقشتها إلى حد أنها صارت تشمئز من هذه المواضيع. لم تكن العملاقة تعرف ما يجب أن تفعل تالياً، فحاولت أن تملأ أيامها عن طريق التبرّج ولعب الموسيقى والرسم، لكن شيئاً من كل هذا لم يثِر اهتمامها أو يبهجها. لقد بقي قلبها خالياً وبارداً.
في الأودية العميقة عند قدمي الجبل، كانت العملاقة ترى الناس صغار القامة (بالنسبة لها) يتحركون ذهاباً وإياباً ليؤمّنوا حاجاتهم اليومية. كانت تقضي أحياناً بعض الوقت تراقبهم دون أن تفهم أعمالهم حتى ما لبث أن عاد ضجرها. بالنسبة لها كانوا مثل النمل فوق هضبة، يروحون ويجيئون بدون تناغم أو سبب لحركاتهم.
لقد كانت تضجر من وجودها عالياً فوق الجبل، كما كانت تضجر من مراقبة الأشخاص الضئيلي القامة في الوديان، حتى ظهر الأمر وكأن حياتها تمر في الضجر، إلى أن لمحت في أحد الأيام رجلاً يتشبث مستقتلاً بالحروف الخشنة لمنحدر الجبل. لقد كان واقعاً في مصيبة إذ أن انهياراً ثلجياً هدر على الجبل وغطّى الرجل كلياً. أتت العملاقة إلى عند الرجل وراحت تسحبه من تحت الثلج المتراكم ثم رفعته فوق تلة الثلج وحملته قرب قلبها لتدفئه. رويداً رويداً عاد الرجل إلى الحياة. فرفعته العملاقة إلى قرب أذُنها لتسمعه. شكرها الرجل لإنقاذها إياه وأخبرها أنه أتى إلى المنحدر بحثاً عن كبش ليطعم عائلته. فزوجته المريضة وأولاده في المنزل بدون أي شيء ليأكلوه، حتى ولا قطعة خبز.
استمعت العملاقة للرجل باهتمام كبير وطلبت منه أن يخبرها عن كيف يعيش الناس الصغار في الوادي أسفل. أخبرها الرجل عن الأفراح والأحزان، عن النجاحات والمحَن في حياته وفي حياة عائلته. لقد خشيت العملاقة أن تنبس بشفة. لقد تذكرت أن في طفولتها كانت المربيات تحكين لها قصصاً لا تُحصى، لكن شيئاً من كل تلك الحكايات لم يكن مثيراً للاهتمام كما كلام هذا الرجل. حتى الكتب التي وجدتها هي وأبوها، لا يمكن مقارنتها بهذه القصص الساحرة التي أخبرها إياها هذا الرجل.
تحنّنت العملاقة كثيراً على الرجل ودفئ قلبها. لقد أحسّت بالرغبة في مساعدة هؤلاء الناس واختبار أحزانهم وحاجاتهم بشكل شامل. لقد أصبحت مهتمة كثيراً بهؤلاء الناس الصغار القامة حتى لم تعد تحس بالضجر. راحت تقضي أياماً طويلة تجمع الأعشاب لتحضّر الأدوية لهم. كذلك راحت تسهر على المنزلقات الثلجية والمنحدرات الخطرة لتبعد الناس عن خطرها.
لقد كان الناس ممتنين لها كما أن العملاقة باركت ذلك اليوم الذي جمعها فيه القدر بأولئك الناس. ومنذ ذلك الحين امتلأ قلبها بالفرح والسعادة.
[b]