[b][center]منذ سيني طويلة مضت رأيت منظراً غريباً ،. وسأحكي لكم ما حدث : كان صباح يوم جمعة ، قبلا الفجر بلحظات قليلة ، رأيت شاباً قوياً وسـيماً متجهاً نحو قريتي . كان يمسـك بدراجة قديمة ، يحمل عليها أقمشة جديدة كلها نظيفة وألوانها زاهية . وكان ينادي بصوت عالٍ:" روبابيكيا …روبابيكيا أقمشة جديدة وجميلة بدلا من الأقمشة القديمة." وتساءلت أمام هذا المشهد : " إن هذا لغريبٌ وعجيب جدا ! إنسان مثل هذا طويل وله عضلات قوية ، يبيع روبابيكيا ! هل هذا معقول؟! فهو يبدو ذكياً ويشع الضياء من عينيه ، كيف لم يجد عملاً أفضل من هذا ؟! هل هو سكيّر ؟! هل هو مجنون ؟! و دفعني حبُّ الاستطلاع إلى مراقبته .
رأى الرجل تلك المرأة … أنتم تعرفونها … تلك المرأة اللاجئة بسب الحرب وهي جالسة خارج كوخها تبكي بكاءً مراً ، والدموع تنهمر على ثوبها، وترتجف أكتافها من البكاء، وقلبها مجروح . فوقف الرجل وركن دراجته بجوار شجرة ، ووصل إلى المرأة بهدوء ، ووضع يده على كتفها وقال :" أماه … أعطني ثوبك وسأعطيك ثوباً جديداً ، وبكل لطف أخذ الثوب من يدها وأعطاها ثوباً قطنياً جديداً.
فنظرتُ إلى الثوب الجديد وتعجبت من تصرف ذلك الإنسان المعطي! وبينما هو مبتعد جاراً دراجته ، ومتشحاً بالثوب المتسخ ، وتاركاً تلك المرأة الأرملة بلا دموع. وبدأ يبكي وترتجف كتفاه كما كانت المرأة .وقلت لنفسي : "إن هذا لأمر عجيب حقاً " وتتبعت بائع الأقمشة القديمة وهو ينادي : روبابيكيا …روبابيكيا أقمشة جديدة وجميلة بدلا من الأقمشة القديمة." ولم استطع أن أدير ظهري له !!
وصادف الرجل فتاة رأسها مربوطة بالأربطة والدم ينزف منها ، عيونها غائرة ، عمرها اثنتي عشرة سنة ، وهي جارية اُختطفت من أسرتها والدم يسيل على خديها . فنظر إليها بحنو وأخرج من صندوقه قبعةً جميلة وقال لها :" أعطني الربطة وسأعطيك شيئاً جميلاً ." فأعطاها القبعة ووضع الأربطة على رأسه فنزفت رأسه دماً .
وأخذ ينادي : روبابيكيا …روبابيكيا أقمشة جديدة وجميلة بدلا من الأقمشة القديمة." واشتد الحرّ و بدا البائع وكأنه متعجل ، ورأى رجلاً واقعاً بجوار شجرة . فسأل البائعُ الرجلَ :" هل أنت ذاهبٌ إلى العمل ؟ " فلم يجبه . فقال : " هل أنت بدون عمل ؟ " فأجاب الرجل :" هل أنت مجنون ؟ " وتركه وابتعد عن الشجرة . فلاحظ بائعُ الأقمشة أن الكُمًّ الأيمن فارغاً وموضوعاً في جيب حلّته ، أي بلا ذراع. فقال البائع برقة :" أعطني حلّتك وسأعطيك حلّتي ." وتبادل الاثنان حلتهما . وصار البائع بيد واحدة، أما الرجل فعادت إليه يده اليمنى . وتعجبتُ جداً من هذا الحدث . وإذ بالبائع يقول للرجل اذهب للعمل .وبعد ذلك صادف البائع إنسانا سكيرا ملقى على الأرض ، فاقدا وعيه و يلتحف بغطاء خفيف وكان مصاباً بالإيدز ، مرفوضا من الجماعة . جسمه ضعيف جداً و المرض قد اشتد عليه . أخذ البائع غطاءه وغطى السكير به ، وترك له أيضا ملابس وغطاءً آخر .
ووجدتني مضطراً للإسراع في خطايا ، لأن البائع بدأ يسرع رغم أن دم يسيل على جبينه ودموع تنهمر من عينيه ويترنح من السكر وتخور قواه ويسقط . لقد صار عجوزاً مريضاً حزيناً . وكنتُ متلهفاً إلى أن أرى إلى أين كان يجري بتلك السرعة . إلى أن وصل إلى مكان قفر ، وكنت أنوي أن أسعفه ، لولا تأخري . ولكني تمكنت من رأيته من بعيد . أما هو فصعد إلى مكان مرتفع فصار في شدة التعب والألم .ونظف مكاناً بسيطاً ثم تنفس الصعداء و أضجع على الأرض ووضع رأسه على وسادة مصنوعة من ملابسه وغطى جسده بغطاء قديم وأسلم الروح .
فصرخت عندما شاهدته وهو يموت وارتميت على الأرض في حزن وبكيت كمن فقد الأمل ، لقد نضجت وازداد حبي له وأمام ذلك الرجل الذي صار إنساناً أخر تلاشت ملامحه ، لقد توفى !! فنمت بجواره دون أن أدري كيف نمت من مساء الجمعة وطوال يوم السبت وفي فجر الأحد استيقظت على ضوء ساطع قوي متوهج ، وكان بريقه تجاه وجهي مباشرة . ورأيت المعجزة الأولى والكبرى ، كان الرجل يرتب غطاءه بعناية . لقد قام دون أيةَ علامةٍ على المرض أو الشيخوخة . والأقمشة القديمة التي كانت لديه صارت نظيفة وبراقة. وكنت خائفاً مما رأيته فتوجهت نحو ذلك الرجل و عرفته باسمي و كنت متأسفا وحزين لحالي ، وبجانبه خلعت كل ثيابي وسألته:" ألبسني … سأعطيك ملابسي القديمة واعطني أنت ملابس جديدة ؟" فألبسني … يا إلهي !!! بالفعل ألبسني وأعطاني ملابس جديدة فتغيرت.
ومن ناحيتي بدأت رحلتي بين المرتفعات والسهول ، وأينما ذهبت صرخت :" روبابيكيا …روبابيكيا أقمشة جديدة وجميلة بدلا من الأقمشة القديمة." أعطوني ملابسكم القديمة وأعطيكم ملابس جديدة . بفضل ذلك الرجل لقد تغيرت حياتى
[