" فرجع إلى نفسه وقال.. "
(لو15:17)
إن أردت أن تتخلّص من خطاياك، فيجب أولاً أن تجلس مع نفسك وتحاسبها، لكي تدرك حالتك وتعرف أخطاءك، وفي أثناء محاسبتك لنفسك، حاول أن تستعرض حالات تعبك وأسباب قلقك، والأسباب التي أفقدتك سلامك، واسأل نفسك ما الذي ربحته من حياة الخطية التي أفنيت فيها حياتك وصحتك وشبابك؟
وحاول أيضاً أن تستعرض ضعفاتك وسلبياتك وخطاياك أمام الله، واعزم علي ترك الخطية، بكل رضا واقتناع، وتأكد أن الله سيباركك ويقويك..
ويجب أن تعلم أنَّ الشيطان إذا رأي عزمك وإصرارك، علي حوارك الذاتي سوف يقاومك بكل قوته، خوفاً من أن تكون هذه الجلسة سبباً في انفصالك عنه، لأنَّه بلا شك يعرف أنك إذا جلست مع نفسك، ستدرك سوء حالتك وما قد وصلت إليه من ضعف وقلق وعذاب ضمير.. وبالتالي ستفكر في التوبة والرجوع إلى الله مرّة ثانية، وبهذا ستفلت منه.
فالابن الضال عندما جلس مع نفسه وفكّر في حالته وما قد وصل إليه من إنحطاط، شعر بأمور عظيمة فأدرك حقيقة فقره وغني أبيه، ولهذا قال: " فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! " ( لو 17:15).
كذلك شعر بجرم خطيته التي إرتكبها، عندما غادر بيت أبيه، وهذا دفعه أن يقول: " أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ وَلَسْتُ مُسْتَحِقّاً بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ ( لو15: 19،18).
ويقيناً لو لم يجلس الابن الضال مع نفسه، ما كان قد وصل إلي حياة التوبة والإنسحاق، ولا كان قد رجع إلي أبيه، ولا كان قد خرج من قبضة الشيطان والبعد عن الأصدقاء السوء.. إلي حيث لبس الحُلة الجديدة والخاتم..
كل الذين تابوا بدأت توبتهم بجلسة مع النفس، أدركوا فيها فقرهم الروحي، وغني أبوهم السماوي الذي تركوه، فاجلس مع نفسك أيها الحبيب، وأعلم أن من يجلس مع نفسه ويصالحها أفضل ممن يصالح شعوباً، وكل من اصطلح مع نفسه اصطلحت معه السماء والأرض وتذكّر ما قاله أحد الآباء:
" إذا ما افرزت نفسك للتوبة، فكل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك، متفكراً بأيّ شيء أخطأت وبأيّ أمر سقطت لتقوم ذاتك فيه فلا تحسبه من عدد أيام حياتك ".
هذا وقد وضع لنا مار إسحق السريانيّ ، محاسبة النفس كقانون دائم لاستمرار الحياة الروحية، فيقول:" إذا هبط علينا روح الإهمال وبردت حرارتنا، نجلس بيننا وبين أنفسنا ونجمع أفكارنا، ونُميّز بدقة ما هو سبب الإهمال ومن أين بدأ؟ وما هو الذي يبطلك من الصلاة والعبادة؟ فإن كان الأمر يستحق التقويم قوّمه، وإذا كان يستحق القطع إقطعه، وإن لم تكن كفؤاً لذلك ولا يوجد مرشد لتستشيره من جهة أُمورك، فارجع إلي أول الطريقة التي بدأت بها وابدأ سيرتك كمبتديء، وأنت في وقت يسير ستمتليء حرارة وترتفع إلي الدرجة التي سقطت منها ".
فكر في نتائج الخطية