فدى كرم وميشال شمّاس
المسيح قام، حقًّا قام
دخل يسوع وتلاميذه مدينة صغيرة تدعى نايين. عند الباب، رأى جمعًا كثيرًا يحملون جثمان ميت. شابٌّ وحيد لأمّه، وهي أرملة. المصاب كبيرٌ، الأمّ تبكي وحيدها، النساء يندبنه، الدمع كحّل العيون والأسى صبغ الوجوه. الجمع كثير، لكن ما من أحد يرحّب بلقاء المخلّص. كلّهم منهكون منهمكون بدفن ميت، لا وقت للإصغاء إلى كلمة حياة.
كانت هذه المرّة، المرّة الأولى التي لم يطلب فيها أحد شيئًا من السيد، وما عساهم يطلبون.
فأخذ سيّدي المبادرة.
صوتٌ قويّ، واثق، كسر النحيب. صوت محبّ، هادر، أذهل الحزن. صوت صارخ "أيّها الشاب، لك أقول قم". كلمات جدّدت بعمق محبّتها، رجاء فُقِد، فأضحى الدفن عرسًا، الغروب مشرقًا، وعلا صوت: "افتقد اللَّه شعبه".
إخوتي، كم نحن بحاجة اليوم إلى مثل هذا العطف والحنان السيّديّ إذ عندما رأى الربُ الأرملة تحنّن عليها وقال لها "لا تبكي" فتجلّى القول فعلاً، عملاً محبًّا شاهدًا لمحبّة الآب "فجلس الميت وأخذ يتكلم". كم نحن بحاجة اليوم إلى لمسة يسوع الصارخة تلك: "لك أقول قم"، فنستيقظ شبابًا وكهولاً من سباتنا الطويل، ننطلق بين الجمع، نعزّي، نؤازر ونعمل شاهدين مبشّرين "افتقد اللّه شعبه".
منذ تسع وخمسين سنة، استجاب بعض شباب أنطاكية لنداء الربّ "لك أقول قم"، فارتموا عند قدميه يصغون إليه داعيًا: توبوا، أحبّوا، انهضوا وأقلقوا الجماعة. كنيستي أريدها عروسًا حيّةً، محبّةً، شاهدةً متلألئة على مثال جسدي المتجلّي.
جيلٌ بعد جيل ألهبنا همّ الجماعة الكنسية، همٌّ كان وما زال، اليوم وكلّ يوم: كيف نحيا حسب قلب اللّه أفرادًا وجماعة، كيف نعبّر عن إيماننا بأعمالنا.
"فكما أن الجسد بلا روح ميّت، كذلك الإيمان بلا أعمال ميّت"، حسب ما كتب يعقوب.
دعوتنا إذًا أن نرتفع ونمتدّ، أن نذهب إلى اللّه ونعطى للناس، أن نمجّده ونخدمهم. على صورة الصليب سرّ المحبّة: يدان تمتدّان إلى الأفق، تعانقان الكون وترتفعان به نحو السماء.
ما أجمل هذه الرؤيا، أين نحن منها الآن؟ كيف نجسّدها؟
"أيّها الشاب لك أقول قم"
استجب أيّها الشباب فأيّ تجددٍ ينطلق من توبتك، من نهضتك أنت. استجب فالمسيح يقرع، يقرع وينتظر وكم انتظر . إنهض، شرّع له باب قلبك. تعال تذوّق وانظر ما أطيب الربّ فهو الطريق والحقّ والحياة. استجب واهتف: تعال أيّها الربّ يسوع، دحرج هذا الحجر الثقيل الذي وضعته أنا بيديّ على قبرك لأنّي أخافك قائمًا حيًّا فيّ، انزع تلك المسامير التي احتجزتك بها على الصليب بعيدًا، كي لا تقلق كسلي، أنرني بنور قيامتك فأخرج من عزلتي، أرى أخي، ألقاق فيه.
"أيّها الشاب لك أقوم قم"
أنا أؤمن، أؤمن بأنّ لا خلاص إلاّ بيسوع المسيح، سيّدي.
أؤمن بأنّ العالم اليوم بأمسّ الحاجة إليه بيننا، يشفي أسقامنا، يحمل همومنا، في المجامع وعلى الطرقات، يهتف لنا ونحن في البعيد: "تعال على عجل، سأمكث عندك الليلة".
أؤمن بأنّ دورنا كشباب اليوم وكجماعةٍ مؤمنة أن نتمثّل بالمعلّم وننطلق إلى الآخر، إلى القريب، فنكون في العالم خمير إيمان، خمير رجاء ومحبة، والخمير لا يحوّل العجين من بعيدٍ بل بالاختلاط والاتّحاد به.
أؤمن بأنّ السيّد يريدني اليوم قرب أخي حاملاً صليبه، مستمعًا، مشجّعًا، محبًّا، خادمًا.
لقد دخل يسوع نايين، دخل بين جمع غير آبه، تحنّن، أحبّ، لمس، صرخ، فمجّدوا اللَّه وانطلقوا يشهدون. مجتمعنا اليوم غير آبه فهو منشغل بأمور جمّة... مجتمع يسير خلف ميت، إذ فقد روحه. فلنتمثّل بالسيّد وندخل الجمع بحنان ومحبّة، معبّرين عن إيماننا أفعالا، شاهدين، صارخين "لك أقول قم".
همّنا اليوم كيف نستطيع أن نعبّر بطريقة فضلى عن محبّة المسيح لكلّ من نلقاه في الكنيسة، في العمل وفي كلّ مكان. كيف نثبت أنّ جماعة المسيح تقلق وتعمل لتساند الآخر بهمومه: الوطن، الهجرة، الضيق الاقتصاديّ، الحالة الطائفيّة.
كيف نلقى المسيح ونلتزمه في الإخوة؟
"أيّها الشاب لك أقول قم"
ذهلت عندما قرأت إنجيل الدينونة "لأنّي جعت فأطعمتوني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، وسجينًا فجئتم إليّ" (متّى25: 35).
كم ذهلت لأنّي سأدان ليس على مقدار صلواتي، مقدار إيماني، أو حتّى قدر خطيئتي بل على قدر محبّتي. سندان على قدر ما عبّرنا عن إيماننا عملاً محبًّا ملتزمًا نحو القريب. "فكلّما صنعتم شيئًا من ذلك لواحدٍ من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه".
إن كنت معنيًّا بالمسيح فعليك التزام صناعة المحبّة تلك. إلتزام، محبّة، قريب...، كلمات أستعملها أحيانًا لكن كيف أحياها كلّ يوم. هل ألتزم محبّة الآخر عندما أدفن وقتي، متقوقعًا في وحدتي، خلف شاشة صغيرة، تحدّني عن التواصل كلّ ليلة؟ أيّ التزام التزامي عندما ألامس الاستبعاد بتصرّفي مع إخوة لا يشاركوني اللون أو اللغة أتوا بحثًا عن عمل شريف يعيل عائلاتهم، كيف ألقى المسيح هو هو في كلّ إخوتي وأنا أماشي المجتمع وأفرّق بين غنيّ وفقير، ناجح وفاشل والمعيار غالبًا ما يبقى هو هو: المال. ألا أعمل كلّ النهار لاهثًا خلف ما رسم لي مجتمعنا الاستهلاكيّ من أحلام. "ماذا ينفع الانسان إذا ربح العالم وخسر نفسه". أيّة محبّة محبّتي إذ أعطي بتردّد، أتغنّى بالمحبّة وأتغاضى عن بذل القليل؟ ماذا سأقول للربّ عندما يسألني "يا غبيّ في هذه الليلة، تستردّ نفسك منك، فلمن يكون ما أعددته؟". هلمّوا لنضع عند قدمي القريب بعضًا ممّا لنا، من وقتنا، من اهتمامنا ومن عملنا فنتقدّس.
في بعض الأحيان يستعمل العطاء للتكبّر والتسلّط أو يكون عطاءً من موقع الواهب. ألا يجب أن يكون بالأحرى نابعًا من إيماننا بأنّ كلّ ما لنا أغدقه السيّد علينا فنهتف منشدين "التي لك ممّا لك نقدّمها لك"؟ "لماذا كان الفقير الأخ الأصغر الذي نتصدّق عليه من عليائنا"؟ ننتظر الفقير أن يدقّ بابنا فنبعده إلى مؤسّساتٍ أطلقنا عليها اسم "الخيريّة"، وهكذا نعزله. فنزيل عن كاهلنا مشقّة الاعتناء به. أليس الأحرى بنا أن نحضنه، أليس الأجدر بنا أن نذهب نحن أيضًا إليه، نبحث عنه ونعمل مع جماعة على خدمته وغسل قدميه؟
ألقى المسيح في الجماعة. وتلقاه الجماعة من خلال اهتمامي ومحبّتي. من يسأل عنك إذا أتيت أم لم تأتِ، إذا مرضت أو سافرت، إذا تزوجت أو أنجبت، فيكون عيش الجماعة مقتصرًا على اللقاء في بعض الخدم الليتورجيّة عدا ذلك وحدة موحشة. أفلا يجدر بنا أن نهتمّ أكثر أفرادًا وجماعة بالآخر. نسأل عنه، نهتمّ، نشاركه أفراحه وآلامه. لِمَ نظّمنا مجالس وهيئات تهتمّ بالإدارة والمال في الكنيسة فقط وأهملنا الجماعة وهمومها؟ ألسنا بحاجة لمن يؤازر في الرعاية فينتبه ويصغي، يساعد ويشدّد فنكون جماعة متماسكة محورها الكنيسة وختنها.
ليتنا نحقّق رغبة السيّد فيعرف الجميع أنّنا تلاميذه، عندما يلمسون حبّنا بعضنا لبعض. كيف أجعل من أخي محور اهتمام الجماعة؟
اجتماعاتنا اليوم مبنيّة على الدراسة والتعليم ونحن بأمسّ الحاجة إلى العمل والشهادة. إن التزمت كلّ فرقة التعبير عن إيمانها بعمل شاهد هكذا يتجّدد وجه الحركة. والشهادة نفهمها عملاً حدوده المحبّة: اهتمام بالقريب، خدمته، افتقاده، تعليمه، ووضع مواهبنا بتصرّفه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تفعيل البشارة، عصرنة وسائل التعليم واستعمال طرائق التخاطب والاتّصال الحديثة. هكذا نستمرّ كتيّار شاهدٍ في العالم.
والشهادة التزام جدّيّ مستمرّ يجدّد حياتنا. من هنا لم لا نسعى لتأسيس جماعات من عائلات ارتضت أن تلتزم العيش من خلال شركة صلاة ومحبّة، على مثال الكنيسة الاولى. لم لا نشجّع الشباب على التعبير عن إيمانهم من خلال جماعاتٍ شتّى ينشئونها هم، فتشهد على طريقتهم وتحيا الإنجيل في الكنيسة. لماذا نعتقد أنّ الالتزام والقداسة في الكنيسة حكر على الرهبان والكهنة؟ إنّ القداسة سعيي، إنّ القداسة مرتجاك.
إنّ الكثيرين اليوم، وفي غير موقع، يحدّون عمل الشباب وتطلعاتهم، لا يثقون بهم، ويعلّلون مواقفهم بالتربية الأبويّة. يا ليتنا نتمثّل بالأب، كما هو، محبًّا، يسأل عن أولاده دومًا، يحتضنهم، يتحدّث معهم، يشجّع مواهبهم ويفخر بهم. يستخدم الطاعة آمرًا إيّاهم عمل الصالحات والخدمة. يؤدّب بمحبّة. لا يمنع الأب ابنه من السير خوفًا من أن يقع، يدعه ينطلق، يرافقه، يفرح به، وإذا وقع سانده لكي يقف مجدّدًا ويمشي.
من منّا لا يعرف مثل ذاك الراعي الصالح الذي ترك التسعة والتسعين خروفًا في الجبال ومضى في طلب الضالّ، فكم من خروفٍ ضالٍّ في كنيستنا اليوم، وكم من الذئاب تسعى إلى افتراسه. عملنا متمحور بمجمله حول الملتزمين والمؤمنين أمّا الضالّون فقلّ من يبحث عنهم.
قال أحدهم في حديث ألقاه إنّه على الشباب أن يبحثوا هم عن الكنيسة كما يبحثون عن اللهو. غريبٌ هذا الموقف رغم أنّنا نعلم أنّ المسيح هو الذي أتى إلى العالم ليخلّصه. لماذل لا نتوّجه ببساطةٍ إلى الشباب في كنيستنا؟ لماذا لا نقدّم لهم المسيح بلغتهم؟
لم نخاف التجدّد؟ سمعنا مرارًا من يشتكي الترداد في الخدم الليتورجيّة، من ينتقد الترتيل وطريقته. سمعنا أيضًا من يشكو صعوبة التعابير المستعملة، من يطلب المشاركة في القدّاس بأوقات تناسبه أكثر ومن يريد أن تعبّر الصلاة عن همومه بطريقةٍ فضلى. لقد اعتدنا الخدم على حالها وأحببناها لكنّ التقليد "ليس جمودًا بل حياة"، لا يمكن أن يقف من دون إيصال المسيح. محبّة المسيح أقوى من كلّ شيء. فيا ليتنا نعاود النظر بشكل صلواتنا وأصوامنا فتتناسب أكثر مع عصرنا، بيئتنا وثقافتنا. لا نطلب التمييع، أو التحديث بحثًا عن الحداثة بل نريد ليتورجيا حيّة تخاطب مجتمعنا اليوم.
نشكر الربّ إذ نشهد في كنيستنا اليوم العديد من الأماكن يُدرّس فيها اللاهوت، الترتيل، الموسيقى، وفي بعض الأحيان اللغة اليونانيّة، ولكنّنا نفتقد إلى من يبحث ويعلّم كيف نتعاطى مع الشباب وكيف نخبرهم عن يسوع مخلّصهم. نفتقد إلى من يحتضن عائلاتنا المسيحيّة ويساعدها على عيش الإنجيل اليوم ويرفع معها تحدّيات التربية المعاصرة. نفتقر إلى من يزوّدنا بوسائل عصريّة ومعلوماتيّة تبسّط تعاليمنا وتقدّم قدّيسينا بطريقة سهلة محبّبة بعيدة عن الخوارق.
نشكر الربّ على جوقاتنا والمواهب التي فيها، لكنّنا نفتقر إلى جوقاتٍ تسهّل الترتيل ليكون قريبًا من الناس وتبتكر طرائق تدفعهم من خلالها إلى المشاركة في التسبيح، جوقاتٍ تضع اشتراك الجماعة أوّلاً ثم أداء اللحن وأصوله.
نحن لا نطلب تغييرًا للتغيير بل نهضة تجعل القريب محور اهتمامنا وقلقنا، لأنّ به يتمجّد اللّه حقًّا، اهتمام يجب أن ينتقل أيضًا إلى عملنا المهنيّ، مؤسّساتنا ووطننا. لكن كيف؟
إن كنت مستقيم الرأي حقًّا، كان وجه السيّد مرتجاك الأوحد، فكلّ ما تفعله في عملك، في بيتك وفي وحدتك منطلقٌ من المحبّة التي ولدتك ثانية. "يذهب الإنسان إلى عمله وخدمته حتّى المساء" فيرفع عمله صلاة، شهادةً صامتةً عن حبّ يعرب عنه لأترابه، لمعاونيه، مسؤوليه وزائريه.
تشدّده الجماعة في كلّ حينٍ، كلمات حياةٍ تصله عبر بريده الإلكتروني أم تذكيرٌ بالصلاة عبر الخلوي، فيتّصل كلّ أخٍ بالآخر عند انتصاف النهار يذكّره رغم انشغاله بأنّ المسيح هو محور نهاره وحياته.
طموحنا هو أن تلتزم مؤسّساتنا المدنيّة المسيح وتفتخر به كما تلتزم الحفاظ على البيئة مثلاً. نريد مؤسّسات فاعلة، منتجة لا تهمّش البعد الإنسانيّ، مؤسّسات شاهدة، تدار حسب قلب اللّه. ترعى هذه المؤسّسة عامليها بمحبّة وبحكمة، مؤمّنة لهم حياة كريمة. كلُّ فرد يحترم وظيفة الآخر ويكون فيها الأوّل خادمًا، مؤسّسة تلحظ في ميزانيّتها مساعدة الفقير. من زار هذه المؤسّسة أو من تلقّى الخدمة فيها وجد، من دون تمييز بين فقيرٍ أو غنيّ، عناية صادقة وخدمةً متميّزة. تعرف هذه المؤسّسة باهتمامها ومحبّتها، محبّة تغرفها من السيّد. فنصرخ "ما أعظم أعمالك يا ربّ كلّها بحكمة صنعت".
يا ليت مؤسّساتنا الكنسيّة تبدأ برفع هذا التحدّي وتكون مثالاً وشهادة للمؤسّسات الأخرى فتحتذي بها.
نتألّم كلّ يوم عندما نودّع شبابنا تاركًا أرضه، كنيسته، باحثًا عن أفق جديد.
يشعرون بأنّهم غير معنيّين فيرحلون؟ إن احتضنت الجماعة المؤمنة شبابها كعائلة واحدة وأحسّ الشابّ بأنّه مسؤول عن هذه الجماعة، عن فرحها، تطوّرها وبقائها، عاملها كما يعامل الأب أسرته وحتّى إن ذهب يعود سريعًا.
كيف نحتضن الشباب اقتصاديًا اليوم؟
الأفكار عديدة ومنها: إنشاء صندوق يدرس مشاريع الشباب ويقرضهم مبالغ محدّدة ويساعدهم على التنفيذ فيثبتوا في أرضهم ويخلقوا بدورهم فرص عمل أخرى.
إدارة طلبات العمل على صعيد لبنان من خلال قاعدة بيانات تحاول الجمع بين حاجات المؤسّسات ومن يبحثون عن عمل كريم أفضل في وطنهم.
استنباط طرائق لاستثمار الشباب بطريقة منتجة أوقاف الكنيسة كيلا نحافظ على الحجر بدل الشعب. متابعة المشاريع السكنيّة المخصّصة للشباب وتكثيفها.
نحن مدعوون أيضًا ضمن التزامنا الكنسيّ إلى النهوض بالوطن. فالحياة السياسيّة، الحريّة، العدالة، تكافؤ الفرص همّ من همومنا اليوميّة ونفرح كلّ ما شعرنا بأنّ الكنيسة تتفاعل هي أيضا مع هذا الهمّ، بعيدًا عن كلّ عصبيّة طائفيّة، مناطقيّة ضيّقة. الحرب فصلت وفرّقت، كم نحن بحاجة اليوم إلى من يجمع ويوحّد. يؤمّن للشباب إطار لقاء وحوار مع الآخر في الوطن، فينكسر الخوف، نتفهّم الاختلاف ونحترمه، نحبّ ونبدأ البناء.
أخيرًا نشكر اللَّه الذي أتاح لنا فرصة اللقاء وفرصة مشاركتكم بعضًا من همومنا، من آلامنا ومن آمالنا. لكنّنا لا نرتجي هذا فقط، لقد مللنا الكلام، نريد أعمالاً حقيقيّة متجسّدة. نحن شباب يعنينا المسيح، تعنينا الجماعة، تعنينا الكنيسة، كنيسة آثرنا البقاء قربها ومعها في هذا الوطن. نحن شباب نرفض أن يبقى المسيح سجين أيقوناتنا إنّما نريده مرتسمًا على كلّ وجه، نشتاق إليه في كلّ مكان. فلنقلق كسلنا، نحطّم لامبالاتنا، نشعل قلوبنا وننطلق نعمّد ونمسحن مجتمعًا تفرّغ من روحه.
"أيّها الشاب لك أقول قم" أرادها الربّ لكلّ منّا على حدة ولنا كجماعة. أعتقد أننا جميعًا مللنا التقوقع والتفرّد، فلنلتق، نتحاور ونعمل سويًّا على بناء أنطاكية الجديدة.
لا تحرّك اليد الجسد بمفردها، تحتاج إلى رجل تدفع، إلى عين ترى، إلى عقل ينظّم ويرعى وقلب يخفق ... هكذا الكلّ يكمّل الكلّ ويؤازره فيجلس الراقد ويتكلّم. ليتنا نطلق جميعا في كنيستنا ورشة تجدّد يشارك الجميع فيها ويرعاها الأسقف منظّمًا، يلاحظ المواهب وينمّيها.
وصل غريب إلى نايين، دخل وسط الجموع، وسط من ساروا خلف ميت، فصرخت أعينهم: "ما لنا ولك يا ابن اللّه، لا يمكننا التوقّف الآن فيسبقنا الجمع، نحن نصنع تمامًا حسب ما يصنع الجميع، نحن منهمكون نرافق الميت ونتبعه الى مثواه الأخير. غريب هذا الغريب، تحنّن عليهم، أقلقهم. لمس النعش، أوقفه. ذهل الميت، أجلسه. غريب غلب الموت، نبع أفاض حياة. خاف الجمع: كيف تبعنا الميت ولم نفطن أنّ ماء الحياة قربنا، هنا بيننا. خافوا، مجّدوا اللَّه وانطلقوا يبشّرون.
لكن سيّدي ما زال هناك يصرخ:
"أيّها الشاب لك أقول قم".
[b]