تربية وعلم نفس...
1- ما موقع الثانوي في سياق المراهقة؟
تندرج مرحلة الثانوي في المراهقة التي تمتد تقريباً من عمر 13 سنة حتى 21 سنة. الطالب الثانوي بين 16 و18 سنة هو في مرحلة المراهقة الكبيرة، مرحلة متقدّمة من مراحل المراهقة. في هذه الفترة تهدأ فورة المراهقة، ويسود هذه المرحلة بعض الإستقرار والتوازن. المرحلة الأولى عمر مقلق وعديم التوازن بينما هذه المرحلة، ولو لم تبلغ مرحلة التوازن، إنما هي أكثر إنسجامًا من المرحلة التي سبقتها. هي مرحلة يتسارع فيها نمو الشخصية وتبرز معالمها كما أنها فترة خيارات مستقبلية حاسمة على الصعيد الدراسي والمهني، لذلك هي بالغة الأهمية ومثيرة للقلق.
2- بعض مجالات الشخصية المراهقية في عمر الثانوي
لدينا مراجع مهمة بخصوص مواصفات الطالب الثانوي: صدر كتاب قيم في مصر سنة 1979 للدكتورة منيرة حلمي عنوانه (مشكلات الفتاة المراهقة وحاجاتها الإرشادية). صدر هذا المرجع عن دار النهضة العربية. إنه مرجع شيق وسلس جداً في طريقة عرضه. وهناك مرجع آخر للدكتور عزت حجازي عنوانه (الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها) في سلسلة "عالم المعرفة"].
بعض مجالات الشخصية المراهقية
أ- الفكر
تشهد هذه الفترة نمواً فكرياً ملحوظاً إذ تترسخ عند المراهق القدرة على التجريد التي برزت في مطلع المراهقة. هناك اختبار للعالم السويسري الشهير (جان بياجي) وهو اختبار بسيط (:أن نقول بأن جورج ذو لون أفتح من لون نبيل وهو أغمق من لون سمير فمن هو الأفتح بين الثلاثة؟). قبل سن الـ 11-12 لا يستطيع الشخص الإجابة. فيما بعد تزداد القدرة على التجريد وتنمو العملية الفكرية وتزداد شيئاً فشيئاً لأن المراهق ينطلق من معطيات محض افتراضية ليكّون فكرة واستدلالاً منطقياً كأن يسأل عن كيفية وضع العالم لو لم يكن هناك حرب. إنها درجة متطورة من التجريد بالنسبة لبداية المراهقة. وفي هذا العمر يصبح المراهق قادراً على بناء نظريات وتكوين نظرية شخصية عن الأمور تتغذى من نتيجة تحصيله في المدرسة في حقل العلوم والفلسفة ويصبح مُتَحسِّساً لبعض المذاهب الفكرية فيتبنى بعضها أو أحدها بحماس وتبدأ عنده الروح النقدية. وبالروح النقدية التي يمارسها حول كل المسلَّمات التي يتلقاها يؤكد فرادته ويسعى لتحقيق فكره الشخصي. ولكن هذا الفكر لا يزال يحتاج إلى النضج لأنه ولئن أطلق العنان لتفكيره إلا أنه لا يتجه به بشكل موضوعي ويرى العالم من خلال مشاعره ويضفي الصفة الذاتية على سائر الأمور.
انه إذاً غير موضوعي كفاية وتعوزه الدقة والمرونة في التفكير فإذا استنتج بالغ في الإستنتاج ووصل لنتيجة مطلقة قاطعة ولو على حساب الدقة وعلى حساب إغفال بعض النواحي من الأشياء. ثم نرى أن ما يشجعه على عدم المرونة والدقة عدم هضمه كفاية لما وصله من أفكار عبر المطالعة. هضمه لها مجتزأ، لذلك يسيء أحيانًا كثيرة استعمالها. ويفرط المراهق أحياناً في استعمال الأداة النقدية حتى يستميت في تأكيد ذاته. يجادل، من أجل المجادلة، من جهة حتى يمارس هذه الموهبة وهذه الروح النقدية وبالوقت نفسه ليستميت في تأكيد ذاته. هكذا يتعطّل المنطق عنده الذي يروح يدور في الفراغ. وهذا ما يثير الراشد لأنه لا يعرف ما يقصد مخاطبه من وراء هذا الشطط. ومن حدود العمر عند المراهق التفاوت الصارخ بين فكره وسلوكه وهي أمور شائعة على كل حال عند الراشد، وما يعذرها عند المراهق أنه لم ينضج بعد. نراه يصوغ نظريات عن المجتمع المثالي تشبه نظرية المدينة الفاضلة عند الفلاسفة في حين أن تصرفاته الإجتماعية الراهنة هي أبعد ما يكون عن هذه المثاليات.
بعض المواقف الإرشادية في مجال الفكر
لا بد لمرشد الثانويين أن يلمّ بشؤون الفكر ويتعاطى معها حتى يتجاوب مع الهواجس الفكرية عند شبابه. لا بد من وقوفه موقفاً إيجابياً مرحّباً من هذا التوثب الفكري عندهم آخذاً إياه على محمل الجد ولو كان ما يزال متعثراً، وأن يفسح أمامهم مجال توظيفه في سعي إلى الحقيقة عبر مشاركة ناشطة في بحث مختلف المواضيع. وإذا أحسوا أن فكرهم أُخذ على محمل الجد يبدأون بإظهار أفضل ما لديهم من رزانة واتزان وتفهم في البحث من جراء هذه الثقة التي أُولوها. وان لم نأخذهم على محمل الجد نشجع بذلك أسوأ ما لديهم من ذاتية من تشنج وغلو ونقص في الدقة. المفروض أن لا تواجه هذه العثرات بالحدة والتهكم الذي يحطم المراهق تحطيماً لكن بالإشارة المتأنية لمواطن الضعف مع تقدير مواطن القوة دون انقياد المرشد لإنفعالات المراهق لأنها تستدرج كل ما لدينا من انفعالات هوجاء فيستدرجنا للتصرف كمراهقين. علينا مساعدته على ضبط هذه الإنفعالات بدل انقيادنا إليها. لا بد أن يتقبل المرشد تساؤلاتهم وانتقاداتهم ولو غلب عليها طابع العناد والتحدي وأن يأخذها على محمل الجد رغم رعونتها وأن يجيب عنها بهدوء ووضوح ورصانة. عليه توجيه المراهق بخفر وتأني نحو ترجمة الرؤيا على أرض الواقع دون تعييره على الفجوة الموجودة بين أفكاره وسلوكه وأن يوجهه بـتأن إلى ترجمة أكثر واقعية لأفكاره ويعطيه القدوة في الإنسجام بين الفكر والسلوك.
ب- العصبة والصداقة
العصبة أو الشلة هي المجال الذي يسمح للمراهق بـتأكيد ذاتيته كيانياً حيال عالم الراشدين ويكسبه الإستقلال بفضل هذه الجماعة الأمر الذي لا يحقفه بدونها. بهذه العصبة يرتاح في العيش في عالم مع أقران يعيش معهم المساواة في علاقة أفقية بدل العامودية التي يحياها مع الراشدين التي تظهر له دونيّته. العصبة تمده بقيمه، وعاداته، وأسلوبه في العيش والمعايير التي يعتمدها في تقييم الأمور. ولا يجب أن نتعجب إذا وجدناه يحاكي الشلة محاكاة مفرطة، يردد، يقلد كل ما يجري في العصبة مع أنه حيال الراشد يحاول التمايز قدر الإمكان. ذلك أنه، لكي يحقق هذا التمايز فعلاً يرى لزامًا عليه أن يندمج في هذه العصبة فيدفع ثمن هذا الإندماج بأن يفقد استقلاليته في العصبة حتى لا يفقدها حيال الراشد. من الممكن أن تتألف العصبة من أفراد من الجنس الواحد عندئذ تكون ملاذًا يحميه من مواجهة الجنس الآخر لأنه حيال الجنس الآخر يشعر بآن معًا بانجذاب وتهيب ولذلك يحتاج إلى الإندماج في عصبة من جنسه حتى يحتمي من الجنس الآخر ويتمكن من مواجهته بثقة أكبر.
بعض المقترحات بشأن العصبة
إذا كانت العصبة مهمة في تنمية شخصيته يجب أن تكون فرقنا أقرب ما يكون من الشلة المراهقة فلا تشكَّل الا بمراعاة التجانس بين أفرادها وإلا حرمنا أنفسنا من هذه الطاقة الكبيرة في بناء شخصية المراهق. على المرشد الإندماج في هذه الشلة بحيث يتعامل مع الفرقة من وسطها وليس من فوق فيتفاعل معها في الصميم وهكذا تتبناه وتقبله والا ترفضه ولو في الظاهر خضعت له من دون قبول عميق له وبالتالي فإن إرشاده يضيع ويذهب هدراً. أما اذا اندمج فيها فيتسنى له طبعها بطابع نضجه وخبرته ولكن هذه الخبرة وهذا النضج يُقبلان حينئذ فيصبح لهما تأثير في كل فرد من أفراد الشلة فيبلغ المرشد مرماه الإرشادي. أحياناً يأتي المرشد من فوق لأنه يخاف من الإندماج فيعطل بالتالي دوره. أما إذا استطاع أن يتخطى الخوف ويدخل في الشلة فإنه يمارس في صلبها خبرته ونضجه ويصبح مقبولاً لدى المراهقين. من المفيد تحويل الشلة تدريجياً من شلة لجنس واحد إلى شلة مختلطة باقناع الثانويين بالإنضمام إلى فرقة تحوي أفرادًا من الجنسين. علينا مساعدتهم في ذلك حتى لا يعود هناك تباعد بين الجنسين.
في الصداقة[2]
المرحلة الثانوية هي عصر ذهبي لنشؤ الصداقات. إنها مرحلة مؤاتية لها ويبرز فيها نوع من الصداقات التي تدوم مدى الحياة وحتى وإن لم تدم فنوعية الصداقة المعاشة في هذا العمر لها فرادتها. ما هو دورها؟ إنها تسمح للمراهق أن يكسر طوق العزلة التي يعاني منها كون شخصيته تتميز آنذاك عن محيطه. هذه العزلة يتوق المراهق بكل جوارحه إلى تخطيها والصديق يوفر له ذلك فيخرج بفضل صلته به من ذاته ويتمرس على العلاقات الإنسانية لأنه مع شخص يرتاح إليه فيُقدِم وإياه على خوض مجازفة الحياة.
الصداقة تنمي شخصية المراهق بما تمده به من غنى العلاقة وثقة بالنفس وانتعاش، تساعده على اكتساب معرفة أكبر لنفسه من خلال كشف ذاته للصديق. وهو يطيل محادثة هذا الصديق ومن خلال ذلك يكتشف نفسه كما وأنه يكتشفها من خلال المقارنة بينه وبين الصديق. إلا أن الصداقة في ذلك العمر مطبوعة بطابع الأنوية وهي غير الأنانية. لأن الأنانية تجعل الإنسان يسعى عمداً إلى تحقيق مصالحه على حساب مصالح الغير. الأنوية غير ذلك. الأنانية شائعة جداً عند الراشدين ولكن المراهقين كثيرو الانوية أي يتخذون من ذاتيتهم محور كل شيء دون أن يقصدوا ذلك أو يشعروا به. المراهق أنوي لذلك صداقته تتّسم بهذا الطابع. فالصديق مرآة للمراهق يرى فيها صورته. كل واحد يتحدث عن نفسه إلى الآخر دون مراعاة لشخصية الآخر فيتكلم الواحد ليعبّر عن نفسه دون أن يفكر إذا كان الحديث يهم الآخر أو لا. مع نمو النضج تتحول الصداقة تدريجياً إلى علاقة أصيلة كل طرف ينفتح بها على الآخر وعلى فرادته وحاجاته. والصداقة مكان مناسب لتعزيز مسيرة النموّ هذه.
المواقف الإرشادية بشأن الصداقة
إذا ما جمعت بين أفراد روابط الصداقة التي أتينا على ذكرها، فأن هذه الروابط التي تتفاوت درجتها بالطبع بتفاوت الأشخاص، تشكّل أرضية صالحة لنمو المحبة الإنجيلية. فبدل أن نحاول بنيان هذه المحبة على فراغ نتخذ لها ركيزة من استعداد فتية هذا العمر لعيش الصداقة ومن اختبارهم لها ضمن الفرقة. من هنا ضرورة سعي المرشد إلى تنمية الصداقة بين أعضاء الفرقة بشتى الوسائل: التعارف المطول، أمسيات المحبة، السجل الذهبي، أعياد الميلاد... فيتيح لهم بذلك التمرن تدريجياً على المحبة انطلاقاً من خبرة ما يعترض صداقتهم من عوائق. (فإذا ما سعت الفرقة جاهدة إلى تخطي هذه العوائق عبر معاناة اختبرت في مسيرتها الراهنة سر الصليب والقيامة). كذلك يجب ان تشجع الصداقات الخاصة ضمن الفرقة مع توجيهها حتى لا تتقوقع على ذاتها وحتى تغتني الفرقة منها وتغتني هي بالفرقة.
على المرشد ان يسعى ليكون هو صديقًا لكل فرد من أفراد الفرقة وصداقته لها دور خاص لأنها صداقة إنسان يكبرهم من حيث العمر إنما بقليل مما يجعله قادراً أن يكون نموذجاً في متناول الفتية يتماهون به بيسر.
ج- الجنس والحب[3]
الدافع الجنسي بالغ القوة في هذا العمر بسبب التحولات الجسدية ولكنه بسبب قوته تلك يثير ازدواجية لدى المراهق. من جهة يحس أنه منجذب بقوة إلى أمور الجنس ومن جهة أخرى يتهيب هذه القوة ويخشاها مما ينشئ عنده تجنباً لها وبالتالي تجنباً للجنس الآخر. الجنس طاقة لم يتمكن المراهق من تدجينها بعد. تارة ينزلق إليها دون مقاومة تذكر وطوراً يكبتها إلى درجة الحد ليس فقط من نزعته الجنسية ولكن، اتساعاً واحتماء من النزعة الجنسية، يصل به الأمر أحياناً إلى درجة الكفّ من حيويته، يخفف أكله، أو ينقطع عنه بالكلية، ينقطع عن اللهو، عن رفاقه، يحصر نفسه ضمن جدران البيت. وكثيراً ما نعتبر هذا زهداً روحياً في حين أنه نوع من ردة الفعل الغريزية على قوة الغرائز بغية الإحتماء منها. علينا مساعدة المراهق على مواجهة الجنس ولكن ليس بالهروب منه. فالهروب من الجنس بسبب الخوف قد يدفع المراهق إلى إبداء تعصب عدائي ومتحجر ضد كل مظاهر الجنس قد يتغلف بغلاف الدين. قد يتعاقب الطوران، طور الإنفلات وطور التزمت، مما يدل على وحدة عميقة بينهما وهي وحدة طاقة جنسية لم تتعهدها الشخصية بعد تعهداً واعياً. في مجتمعنا الراهن يجد المراهق نفسه ممزقاً بين تحريم الحديث عن الجنس (كما يبدو من صمت العائلة والمدرسة عن هذا الموضوع) وعدم تحبيذ المحيط للإختلاط بين الجنسين من جهة وبين ما يتأجج فيه من فضول جنسي ورغبات أثارتها يقظة الجنس فيه من جهة أخرى، خاصة وأن المجتمع نفسه الذي يحرم الجنس يستعمله تجارياً عبر وسائل الإعلان وبشكل رخيص. فبالتالي نجد أن الجنس محرم من جهة ومن جهة أخرى مؤجج بشكل مستمر. ويلمس المراهق، بالإضافة إلى ذلك التناقض، رياء المجتمع، لأن المجتمع يدّعي تحريم الجنس في حين أن الجنس هو بالواقع شغله الشاغل كما يتضح من كثرة الأحاديث والمزحات عن الجنس والنظرات والتعليقات ومن كثرة الإقبال على التعرض لأخلاق الغير الجنسية وكل هذا تنفيس عن رغبة جنسية مكبوتة. في مجتمعنا هناك ترادف بين الأخلاق بشكل عام والأخلاق الجنسية في حين أن السرقة والإحتيال وغيرهما من الأشياء تعتبر وكأن لا دخل لها بالأخلاق. يحس المراهق أنه بحاجة لفهم ما يجري في كيانه من تحولات وما يستيقظ فيه من رغبات ومخاوف. من جهة يكتنفه الحذر والخوف وليس من يساعده على الاستعداد لممارسة دوره الراشد في هذا المجال بل يصطدم بالصد والتحريم والرياء. ليس لديه إلا اللجؤ إلى الرفاق وهؤلاء ليس لديهم نظرة ناضجة بل أنهم يشوهون نظرته إلى الموضوع. أو إنه يلجأ إلى الأفلام والمجلات لأنها ملاذه الوحيد وهو مصدر مشوه وملوث لأنه يركز على الإثارة والشذوذ فيشوّه الجنس ويبتره من كل بعده الإنساني. وقد يكتشف الثانوي حبه لشخص وحيد وفريد من الجنس الآخر. هذا الحب يحوله تماماً يوجه ويهذب النزعة الجنسية فيه يفجر عنده الطاقات الفكرية والفنية والإجتماعية والروحية ويساعد حيويته الفياضة على التسامي والإرتفاع إلى ما هو راق. لكن المراهق أنوي بطبيعته لأنه في قلق شديد ينتابه حيال هويته التي لا تزال هشة ومترجرحة فيركز على ذاته عفوياً وعن غير قصد. بالضبط لأنه غير مطمئن إلى ذاته ويشعر أنها لا تزال هشة مضطربة متناقضة. هذه الأنوية تطبع الحب بحيث أن المراهق ميال أن يرى في موضوع حبه مرآة (مثل ما إنه يرى في الصديق مرآة) يقرأ فيها التعلق والإعجاب فيطمئن إلى قيمته وإلى قدراته. الآخر مرآة أي ليس مهمًا بحد ذاته وإنما من حيث دوره ووظيفته. لا بد أن يجتاز المراهق شوطاً قبل أن تكتمل قدرته على الحب الناضج كما حلله أريك فروم في كتابه المترجم: فن الحب. الحب الناضج الذي يصله المراهق عبر معاناة يتمثل في الرعاية لموضوع الحب، في الإحساس بمسؤوليته تجاهه، في احترامه، في التعرف إليه تعرفاً كاملاً. هذا ما يصل إليه المراهق تدريجياً.
بعض المواقف الإرشادية من الجنس والحب
يحب أن يتخذ المرشد من المعاناة الجنسية لدى المراهق موقفاً سليماً وبنّاء وهذا يفترض في المرشد حالة من النضج إن لم يبلغها فهو سيشجع المراهق على التمادي تعويضًا على ما أصابه هو من حرمان أو أنه سيقمع هواجس المراهق الجنسية نتيجة لنفوره الشخصي من طاقة جنسية ليس هو قادراً على تدجينها فيحل مشاكله عبر المراهق. حتى يواجه المرشد يقظة الجنس لدى المراهق بشكل سليم يجب أن يبلغ هو نفسه تلك الحالة من النضج الجنسي. موقف الصفاء هذا ليس سهلاً لأنه يتعدى مجرد موقف عقلي، من هنا وجب أن يكون للمرشد يقظة يراقب بها مواقفه وذلك عبر مجموعة أو ندوة للمرشدين يناقشون فيها الموضوع ويساعدون بعضهم على مواجهته إذ لا يستطيع الشخص أن يراقب نفسه بنفسه. وعلى المرشد أيضاً أن يفسح المجال لطرح كل الأسئلة التي تساور المراهقين حول الجنس وأبعاده ومراحل نموه وطريقة عيشه السليم والإنحرافات التي يتعرض لها والمشاكل التي تكتنف الجنس. وعليه أن يسمح لهم بتطارح هذه الأمور ليساعدهم على مواجهتها بوعي وصفاء لأن الجنس وجه بالغ الأهمية من وجودهم. عليه أيضاً أن يوفر لهم شروط الإختلاط الصحيح الذي من خلاله تكتمل ذكورتهم وأنوثتهم التي لا تتبلور إلا عبر مواجهة الجنس الآخر، ومن خلاله تتهذب مشاعرهم وتتوفر لهم شروط الإختيار السليم لرفيق العمر والعيش معه بوفاق. وعليه أيضاً مرافقة خبرة الحب إذا استشير حولها.
د- الأسرة[5]
إن المراهق يحتاج إلى استمرار علاقته العاطفية بأهله كما يحتاج إلى أن تتخذ هذه العلاقة شكلاً آخر تخف فيه التبعية ويزداد الإستقلال. لكن الأهل غالبًا ما يرون في كل نزعة استقلالية عقوقاً لهم وقطعاً لرباط المحبة بينه وبينهم وكأنهم يرغبون في قرارة أنفسهم ورغم تأكيدهم لعكس ذلك، يرغبون في احتكار ولدهم عاطفياً. من هنا كانت مضايقتهم من كل اهتمام خارجي يبديه ولدهم المراهق. فإذا ما خرج للهو والرياضة أو معاشرة الرفاق وجدوا في ذلك عقوقاً وتخلياً. وإذا كانت له علاقة عاطفية وجدوا أن هذا انقطاع بينه وبينهم. وكثيراً ما يبررون هذا باعتبارات تربوية من باب الخوف على ولدهم وكأنه سوف يبقى أبداً في كنفهم. عندئذٍ يشعر المراهق بأنه ممزق بين رغبته في الإستقلال وبين التعلق بوالديه وخوفه من جرحهم ومن انقطاع علاقة الحب بينه وبينهم فتنشأ عنده نقمة على هذا الصراع المفتعل الذي يفرضه عليه أهله. وإذا ما شعر بأن أهله يمارسون عليه ابتزازاً عاطفياً فإنه يثور على هذا الإبتزاز.
وأما من جهة السلطة فإن هذا العمر لا يزال بحاجة لسلطة الوالدين لذلك يطالب المراهق أهله بالسلطة وإذا ما استقالوا منها يشعر أنه قد تُخلي عنه لأنه غير قادر بعد على توجيه نفسه بنفسه. المراهق بحاجة لهذه السلطة وبحاجة لتبديل شكل هذه السلطة لتصبح أكثر مراعاة لمواقفه وأكثر إصغاء لآرائه. كثيراً ما يشعر أن أهله يصرون على اعتباره وكأنه لا يزال طفلاً وهذا ما يزعجه، خاصة لأنه داخلياً يشعر بأن الطفولة لم تفارقه تماماً وهذا التناقض فيه يمزقه تمزيقاً. يحس المراهق أن أهله يتنكرون رغم كل أقوالهم لهذه النزعة التي تدفعه بقوة إلى الرشد والإستقلال. من هنا ينشأ شعوره بأن أهله لا يفهمونه والمقصود أنهم لا يفهمون نزعته إلى الإستقلال وصراعه مع الطفل الكامن في داخله، ويشعر أنهم لا يقبلونه على حقيقته ولا يعرفون هويته الجديدة وهكذا تتصدع العلاقة بينه وبينهم.
إن المراهق الذي يتخلى عن دراسته، يدخل ميدان العمل المنتج ويحرز استقلالاً اقتصاديًا. أما الطالب الثانوي فيشعر أنه قد أصبح راشداً جسدياً وعقلياً ولكنه بحكم تبعيته الإقتصادية التي فرضتها عليه الدراسة لا يزال يُعتبر قاصراً فيشعر أن أهله يستفيدون من حاجته المادية إليهم ليفرضوا سلطتهم عليه فيثور، ناهيك عن أن الأسرة العربية تتميز بسلطة قمعية يمارسها الأب عادة إلى جانب حماية مفرطة تمارسها الأم عادة[6]. والإثنتان مقيدتان لنزعة المراهق إلى الإستقلال. والذي يزيد الأمر تأزماً أن هذه الأسرة خلافاً لما يحصل في الغرب لا تزال بالنسبة للمراهق مرجعًا بالغ الأهمية مما يضاعف ألم المراهق وتمزقه.
بعض المواقف الإرشادية في موضوع الأسرة
على المرشد أن يفسح أمام شبابه مناقشة موضوع علاقة الآباء بالبنين. هذا الأمر أكثر الحاحاً في هذا العمر مع أنهم يخجلون ان يتناولوا صراحة موضوعاً حميميًا مثل هذا. هناك صراع بين الحاجة الملحة لطرح هذا الموضوع والإحجام عنه. من هنا يصبح الأمر سهلاً إذا ما طُرحت الأسئلة حول الموضوع كتابة دون ذكر اسم السائل. وعبر المناقشة يصبح الموقف أقل انفعالاً وأكثر موضوعية فيزداد فهمهم لموقف والديهم لأنهم ما عادوا ينظرون إليه من ناحية واحدة التي هي وجهة نظرهم الذاتية. ففي المناقشة وعبر تدخل المرشد يصير بإمكانهم أن يتفهموا الطرف الآخر من الصراع. وهذا يسهل الحوار.
كذلك فإن اطّلاع المراهق عبر المناقشة على مشاكل الآخرين مع أهلهم يجعله يشعر بأن القضية ليست خاصة به وفريدة ولكنه صراع مشترك يعاني منه الجميع بنسب متفاوتة فيخف بذلك تضخيمه للأمور وتسهل عليه مواجهتها. ومن المستحسن أن يزور المرشد أهل أفراد الفرقة في المناسبات مما يسمح له بمدّ جسور بينه وبينهم وعلى الأقل بكسر الجليد. إن الجليد قائم لأنه هناك شعور عند الأهل بالمنافسة بينهم وبين المرشد خاصة إذا نشأت علاقة صميمة معه فيشعر الأهل أن ذلك على حسابهم متجاهلين بأنه لا بد للولد في هذا العمر من الخروج من البيت وخارج حدوده. وإذا نشأت العلاقة بين المرشد والأهل فإن المراهق يرتاح لها لأنه لا يعود يشعر بأنه ممزق بين قطبين مهمين في حياته. وإذا توطدت العلاقة مع الأهل يمكن دعوتهم إلى حفل بسيط يجمعهم مع أولادهم يساهم الأهل بجزء من إنجاحه.
هـ - التدين[7]
إن المراهقة وخاصة الفترة التي نحن بصددها هي مرحلة إعادة النظر في المسلّمات الدينية التي تلقاها المراهق في طفولته من العائلة والمحيط. بقدر ما ينزع المراهق إلى التمايز والفرادة فهو بالقدر نفسه يضع كل ما تلقنه من عوائد ومعتقدات دينية على المحك أو يميل إلى وضعها فيستخدم لهذا الغرض الروح النقدية المتيقظة عنده والتي يذكيها ما يلاحظه من أن الدين كما يقدم له لا يراعي حاجته إلى الفهم والإقتناع بل يفرض عليه تسليماً أعمى كما أن الدين كما يقدم له لا يأخذ بعين الإعتبار الحيوية الفياضة المتوثبة فيه ولا يقيم وزناً لعطشه إلى السعادة وتحقيق الذات. إذًا يتراءى له أن الدين بعيد عن فكره وعن متطلباته وهواجسه. بالإضافة إلى أنه يُصدم بما يلاحظه من تناقض شائع لدى المتدينين، ومنهم أهله والقيمين على تربيته الدينية، تناقض بين المبادئ والممارسات الفعلية. ومن هذه الناحية هو لا يرحم لأنه قطعي غير قادر على إدراك أن الإنسان ليس دائماً على مستوى قناعاته. كل هذا يغذي عنده شكاً والشك يتزايد بنسبة ملموسة في الفترة التي نحن بصددها (3 ِ% في سن 15-16 و33.4 % في سن 18 في دراسة ميدانية أجراها د. عبد المنعم المليجي على مراهقين مصريين، مسلمين ومسيحيين).
قد تكون المرحلة هذه مرحلة انتقالية تقود إلى تدين أكثر نضجاً وأصالة خال من الخرافات، تدين يلتزمه المرء بحرية وقناعة بعد ما تلقنه تلقينا. هذا يتم للمراهق إذا وجد في طريقه متحاوراً متديناً وناضجاً يرافقه في هذا التحول الدقيق من دين الطفولة إلى دين الرشد. كما يمكن أن يتطور الوضع سلبياً فيؤدي إلى الإلحاد أو إلى اللأدرية أي أن يبقى المرء في شك دائم. وقد يتعامل المراهق مع الشك بطريقة أخرى فيجتهد في تغييب الشك إشفاقاً على نفسه من تصدع العلاقة بمحيطه وأسرته فيجبر نفسه على تسوية ما فيتمسك بالتقاليد الدينية دون التزام حقيقي لمعناها أو روحها، يتمسك بالممارسات الظاهرية على حساب الإيمان ويتخذ من الدين مجموعة طقوس وشعائر تربطه بالجماعة ولا تشعره بالغربة عنها، لأن الغربة بالنسبة إليه خوف وضياع. ظاهرة التدين هذه لاحظها الدكتور عبد المنعم المليجي أكثر شيوعًا عند المسيحيين منها عند المسلمين وافترض أنها مرتبطة عند المسيحيين في مصر بالشعور أنهم أقلية تحتاج إلى تراص وتماسك نظرًا لقلتهم. وقد يبدي المراهق حماساً دينياً يبلغ ذروته حسب المليجي في سن 17 (23.2 % من حالات الحماس) و18 (16.2 % منها). هذا الحماس مرتبط بالفورة الغرائزية والإنفعالية التي تشهدها المراهقة فيوجهها في خط التسامي أو الإعلاء. ومن جهة أخرى فإن هذا الحماس الديني ليس فقط توجيهاً للطاقة لكنه أيضاً احتماء من خطرها لأن المراهق يرهب الدافع الجنسي كما رأينا فيتخذ من الدين سداً يقيه من الإندفاع الغريزي. وبقدر ما يشعر المراهق بأن الشك يزلزل كيانه يحاول الإحتماء من هذا الشك بردّ فعل عكسي يدفعه إلى القفز إلى ما هو نقيض الشك الا وهو الحماس وهنا كثيرًا ما يأخذ الحماس شكل التزمت والتعصب. إن العداء الذي يظهره المراهق المتعصب حيال من يخالفه المعتقد والضراوة التي يحاربه بها، إلى حد القتل أحيانًا، إنما يستهدفان في الأساس الشك الكامن في كيانه، وهما في الأصل تعبير عن انقسام في داخله يحوله إلى صراع خارجي. وبعملية التحويل هذه يصيب عصفورين بحجر واحد لأنه من جهة يجنّب نفسه تمزق الصراع الداخلي ويبعده عنه ومن جهة أخرى يتمكن من صب العدوانية التي تتأجج فيه بفعل صراعات المراهقة إلى الخارج وإشباعها بطريقة يعتبرها مشروعة لا بل "مقدسة".
تدين المراهق يتسم بطابع ذاتي بارز. تصوره لله يتأثر بحاجاته العاطفية والعقلية، يطلب من الله أن يعطيه مفتاحاً لفهم ذاته والكون. لهذه الظاهرة وجهان: وجه سلبي وآخر ايجابي.
الوجه السلبي كامن بأن يسقط المراهق صورته الذاتية على الله أو يجعل من الله صورة مفخمة لذاته وبالنهاية يلغي تعالي الله وينشئ أصناماً. يحوّل الله إليه بدل خوض مجازفة التحول المحيي إليه.كما أن من شأنها إدخال الهشاشة إلى مواقفه الإيمانية. ممكن أن ينكر الله لأنه ما عاد يحس به، لأن قياس الله بالنهاية إحساسه به. أو أنه ينكر الله لأن الأمور تجري في حياته أو في الكون خلافاً لما يبغي أو يأمل فيتخلى عن الله بالنتيجة.
لكن لهذه الذاتية ايجابية أيضًا لأنها تخرج تديّنه من نطاق التعاطي اللاشخصي مع إله بعيد معروف بصفاته المجردة. الذاتية عند المراهق تدفعه إلى علاقة حية بالله فلا يتعاطى مع إله بالمطلق وحسب بل مع إله يقول له (إلهي). هذا تحول نوعي بالغ إذ يعتبر الله سيد حياته ومرجعها وملهمها.
بعض المواقف الإرشادية بشأن التدين
أولاً يجب فسح أوسع مجال ممكن أمام المراهق للتعاطي مع معطيات الإيمان انطلاقاً من حاجاته العقلية والعاطفية. إن أسوأ طريقة لنقل الإيمان هي التلقين فيكون الأمر جاهزاً وما عليهم إلا أخذه من الخارج كمن يرتدي ثياباً لا تغير في طبيعة الجسم. الأهم من الإعتراف بالله هو أن يصبح الله (إلهي). صحيح أن الله أزلي اللاهوت ولكن الأهم أن يصبح إلهًا بالنسبة لي أنا. وما هو صحيح بالنسبة لكل الأعمار صحيح بشكل خاص بالنسبة للمراهق لذلك علينا أن لا نخاف أسئلة الثانويين حول المشاكل التي تطرحها علاقة الإيمان بالحياة وعلاقة الإيمان بالفكر. في هذا السياق على المرشد تقبّل شكوك المراهق بصبر وتأنٍ ناتج عن تفهّم لما يمكن أن يكون لها من دور في نقل إيمان المراهق من تلقين الطفولة إلى التزام الرشد. ولو أزعجت الشكوك المرشد فإن عليه أن لا يصدّها بالتهرب والقمع ولكن يرافقها ويرعاها بتعاطف ويتذكر أنه هناك كتاباً اسمه سفر أيوب وأساسه الشك. إنه سفر الشكوك من أوله حتى آخره، أيوب يعبّر عن الشك أمام الله وأمام أصدقائه الذين يجترّون أمامه المفاهيم الموروثة عن الإيمان في حين أن شكه فتح الطريق أمام نمو الإعلان الإلهي فكان شكه مفتاحًا لهذا النمو. من أجل تلطيف ذاتية المراهق بحيث يتمرس تدريجيًا على أن يجد ذاته بتجاوزها دخولاً في العهد الإلهي فعلى المرشد أن يوجه المراهق إلى:
- الإتصال الوثيق بالوحي الإلهي من خلال دراسة الكتاب المقدس والتعرف الدقيق على كل ما كشفه الله عن نفسه خاصة من خلال حياة وتعليم يسوع المسيح (من رآني فقد رأى الآب).
- ولكي يثمر هذا فعلى دراسة الكلمة الإلهية أن تمتد إلى احتكاك شخصي حي بين المراهق وهذه الكلمة فيتفاعل معها بالعمق وينفتح إليها بكل هواجسه، يسائل هذه الكلمة ويتركها تسائله مثل ما فعل أيوب وهكذا تتجسد هذه الكلمة وتصبح كلماتها شيئاً فشيئاً كلماته هو فنصل إلى ما نريد.
- توجيه المرشد له ليعيش الليتورجيا التي تسمح له بتخطي ذاتيته إلى اختبار حياة الله في شعبه. وإذ كان الإداء الحاضر لا يفسح له مجال المشاركة الحسية الكاملة الوحدانية في الخدم الليتورجية فهناك خبرة "القداس المكشوف"[8].
- اختبار حياة الشركة التي يتجلى الله فيها بنوع خاص إذ "كلّما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم، "حتى يتم الخروج من قوقعه الذاتية. فتح ذاتية المراهق على الشركة ومقتضياتها يجد مجالاً مميزاً له في الفرقة إذا ما عاشت هذه، الصداقة والمشاركة بين أفرادها.
- توجيه المراهق نحو التحسس لحاجات الناس ومشاكلهم وآلامهم. ننطلق هنا من الذاتية حتى نساعد المراهق على تخطيها، نوظف هكذا اندفاعه الحيوي في مختلف سبل الخدمة الإجتماعية لا بل، إذا تسنى لنا ذلك، في مجال التزام اجتماعي نضالي يتيح له توظيف طاقاته الشخصية فيلاقي بها المسيح ويلمسه في معذَّبي الأرض.
[b]