بصليب الرب يسوع المسيح...
"أنتم الذين ثبتم معي في تجاربي. وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً. لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي" (لو 22: 28 – 30).
إذاً الموعد محدّد وقد أُعطيَ لنا والوعد أكيد والمائدة معدّة وممدودة لتناول أطايبها في كل لحظة وآن... فماذا نختار إذاً، صليبنا نحن الذي أوجدناه لأنفسنا لأننا أحببنا هذا العالم أكثر من الآتيات والفانيات بدل الباقيات، والسفليّات بدل العلويّات؟!...
مَن عاش هذا العمر ولم يمتْ؟ مَن أسّس ممالك أرضيّة ولم تفن؟ مَن رتّب قوانين وأنظمة وأحكام وموازين ولم تتبدّل؟ مَن بنى ولم يتهدّم، مَن أحبّ ولم يفشل ولم يتأرجح حبّه ويمتلئ شكوكاً واحتيالات ومرجوات كاذبة؟... مَن عاش بدون أسى؟ مَن لم يصادف مشاكل في أيّامه كل لحظة؟!... فإذا كان عنوان الحياة الأرضيّة – الموت الذي يفني بدءاً الروح ثم يقضي على الجسد – فدعونا نأتي بكلّيتنا إذاً إلى العلويّات، إلى الروحيّات، إلى السماويّات...
كيف الخلاص بصليب المسيح؟!...
المسيح عُلِّق على الصليب ليعلِّق معه، على صليبه خطيئتنا... إذاً، إذا نحن أتيناه مؤمنين به، فخطيئتنا وموتنا سيعلّقان على صليب الرب الذي أسّس في الوسط... وهكذا نعلّق نحن على صليب يمينه نصرخ له اذكرنا يا رب متى أتيتَ في ملكوتك فيجيبنا: أنت تكون معي هذه الليلة في الفردوس؛ إمّا نكون كلصّ اليسار فنجدّف أيضاً وأيضاً على الرب متّهمينه بموتنا...
علينا يا أحبّة أن نفهم ما جرى للرب على الصليب؛ ومن ثمّ إتّباعه بكلّيتنا!!... "فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذٍ وجهاً لوجه" (1 لو 13: 12). الآن نحن لا نفهم ولا نفقه كيف الإله خالق السماوات والأرض ارتضى أن يعلّق على الصليب... إذاً هو إله ضعيف... ويجيبنا تساؤلنا "إن قوّتي في الضعف تُكمل" (2 كور 12: 9). "وتكلّم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب قد أتتِ الساعة. مجّد ابنك ليمجّدك ابنك أيضاً. إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل مَن أعطيته"... فالحياة الأبديّة معطاة إذاً على الصليب "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17: 1 – 3). معلَّقاً بأيدي أثمة ومطعون ومضروب ولكنه قائم وغافر للذين صلبوه خطيئتهم...
هذا هو إلهنا الذي أتى ليخلّصنا ويعطينا الحياة الأبديّة... إنه ليس إله ضعيف لكنه إله مسامح وغفور وملتحف بالنور الإلهي، لأنه هو النور وحامل على منكبيه البشريّة كخروف ضلّ وسقط فذهب الإله نازلاً وراءه من حضن أبيه، ليعيده إلى الأحضان الأبوية ويردّ له مجده الأوّل، كرامته وجماله ونوره والحبّ الذي لا يفتر ولا غشّ فيه ويعيد له رقّته وسلامه.
هكذا يا إلهي نعرفك على الصليب أنك "أنت الإله الحقيقي وحدك"... هذا هو صليب الألوهة صليب المسيح... فنحن إذ نتّبع خطى السيّد، فإننا نصير آلهة بالنعمة وبالمثال المتّبع، إذ صار هو إنساناً كاملاً في ما عدا الخطيئة ليصيّرنا نحن آلهة على شبهه ومثاله... هذا التلاقي والاتحاد الإنساني الإلهي هو مبتغى التجسّد... ونحن كلّنا لن نعرف السيّد يسوع المسيح، إن لم نحيا مثله، كلمته ووصاياه... فالمعرفة مشابَهَةٌ كما الحبّ إتحاد ووحدة... ونحن إذا التزمنا الرب هكذا في تطبيق وصاياه ومجابهة شيطان الخطيئة الساكن فينا، فإننا نصير له الخروف الضال العائد إليه على كتفيه... هكذا نعرفه، نعرفه معلّماً وطبيباً شافياً وابناً وحيداً للآب ونعرفه مصلوباً على خطيئة الإنسانيّة بعظيم حبّه للإنسان، لذا: "فاعرفه وقوّة قيامته وشركة آلامه متشبّهاً بموته لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات" (في 3: 10 – 11). ويجبب الرسول بولس بسرعة حتى لا يظنّ أحد منا أننا قد بلغنا أو نبلغ إلاّ بالنعمة النازلة من فوق، "ليس أني قد نلت أو صرتُ كاملاً ولكني أسعى لعلّي أُدرك الذي لأجله أدركني أيضاً المسيح يسوع" (في 3: 12).
[b]