لقداسة البابا شنودة الثالث
كثيرون يتحدثون عن حقوقهم ويطالبون بها، أو يطالبون بما يظنونه حقوقا، وقد لا يكون كذلك. فما أسهل ان يدعي شخص حقا له، بغير حق! وقليلون هم الذين ينشغلون بالواجبات التي ترتبط بتلك الحقوق. لأن كل حق يقابله واجب أو تقابله عدة واجبات.. فكل حق لنا عند الناس، تقابله واجبات علينا من نحوهم.
الحق والنعمة:
في علاقتنا مع البشر قد نطالب بحقوق. أما مع الله فلا نطلب حقوقا. كل ما نطلبه هو عطايا أو نعم. وكل ما نحصل عليه هو نعمة من عنده.. فنحن نتمتع بالوجود. ولكنه لم يكن لنا حق الوجود. إنما نلنا هذا الوجود كنعمة من عند الله، ونحن نخاطب الله في الصلاة، وليس لنا من حق التحدث إليه، إنما وهبنا الله الصلاة كنعمة. كذلك من جهة الحياة: أين الحق وأين النعمة؟ من جهة الله، قد وهبنا نعمة الحياة. ومن جهة الناس، لنا عليهم كما لنا علي أنفسنا حق المحافظة علي هذه الحياة.
أما عن الرعاية، فهي من جهة الله نعمة نطلبها، ان يرعانا.. وأما من جهة الناس، فهي حقوق نتبادلها: نحن نرعي غيرنا ممن هم في حدود واجباتنا. ويرعانا غيرنا ممن هم مكلفون بذلك..
الحياة:
مادام الله قد وهبنا نعمة الحياة، فقد أصبح من حقنا علي المجتمع أن نحيا.. ولكن هذا الحق تقابله واجبات عدة:
فواجبنا ان نستخدم حياتنا في الخير. وأن نحافظ علي هذه الحياة، لتكون نافعة لنا ولغيرنا. كما من واجبنا المحافظة علي حياة غيرنا. وإن أفقدنا أحدا حياته، لا نكون مستحقين لنعمة الحياة. فتؤخذ حياتنا منا، نفس تكون عوضا عن نفس. وبهذا يحكم المجتمع وينفذ..
حياتنا وديعة أودعنا الله إياها. ومن واجبنا ان نستثمرها، ولا تكون عبئا علي المجتمع، بل مصدر نفع له.وحياتنا جزء من حياة المجتمع، له فيها نصيب، ومن واجبنا ان نمنحه هذا النصيب، فلا نعيش لأنفسنا فقط، إنما نعيش للغير علي قدر ما نستطيع.. وأحيانا نري من واجبنا ان نبذل حياتنا، لأجل الغير في حب.. وهنا يكون الاستشهاد، وتكون التضحية..
والذين سجل التاريخ اسماءهم، هم الذين عاشوا حياتهم لأجل غيرهم، فأدوا واجبهم نحو أوطانهم ونحو شعوبهم.
الوجود:
لقد وهبنا الله نعمة الوجود. وهذه النعمة تقابلها واجبات.. ومن العجب ان إنسانا قد يظن انه موجود، بينما لا يشعر العالم بوجوده، لأنه لم يقم بواجب أو بعمل يشعر العالم به..!
فهل من حق الإنسان في الوجود، ان يكون فراغا لا يمتليء المجتمع بشيء منه؟! أم واجبه في الوجود، ان يكون له وجود فعال، وفعال في الخير..
هناك أشخاص امتدت فاعليتهم حتي بعد وفاتهم.. ظلوا موجودين فيما تركوه من أثر باق... مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
يظن البعض انه يظل موجودا في أولاده، في اسمائهم وفي عملهم.. ولكن ماذا عن شخصه؟ هذا ما لم يفكر فيه! إن الوجود ليس مجرد أنفاس تتردد، بل هو حياة تبقي وتستمر فاعليتها.
ما أعجب مذهب 'الوجوديين'، الذين يرون ان وجودهم هو شعورهم بالوجود في اللذة، حتي لو كانت حياتهم فارغة! بل انهم أكثر من هذا، يهاجمون الله تبارك اسمه بحجة انه يحرمهم من ملاذهم الخاطئة، بوصاياه الإلهية السامية! لذلك يقول الواحد منهم: 'من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا!!'.
حق العمل:
كل إنسان يطالب بحقه في أن يعمل، ويذكر في ذلك ان للبطالة خطرها علي المجتمع وعلي الفرد. وهذه حقيقة. غير اننا نسأل:
هل العمل هو منحة يقدمها لك المجتمع، أي فرصة للعمل؟ أم العمل هو طاقة كامنة فيك قادرة علي العمل؟ وهل طاقاتك هذه يلزمها دافع خارجي؟ أم هي طاقات خلاقة creative حيثما توجد أنت، ينبثق منك عمل؟
هل بذاتك تعمل، أم أنت أداة يأخذها غيرك ويعمل بها، ويوظفها حسبما يريد، فتصبح أنت موظفا، ويكون من حقك أجر علي عملك، مرتب لك؟
لقد أعطانا الله أمثلة، في الكواكب التي تعمل من ذاتها، وفي أجهزة جسم الإنسان، وفي عوامل كثيرة من طبيعة الكون...حقا، ما أجمل أن يكون العمل غريزة، وأن يكون طبعا..
ومعروف ان الذي يحب العمل، ويؤدي عمله بلذة، لابد أن ينجح فيه، ولا يشعر بتعب مهما عمل، بعكس الذي يعمل وهو متبرم ومتضايق...علي ان هناك أشخاصا يمكنهم ان يبتكروا أعمالا لهم ولغيرهم أيضا. أولئك لهم عقول مفكرة، تستطيع أن توجد الأيدي العاملة. وهناك من لهم مواهب ومقدرات، يطلبهم الاخرون للعمل، دون ان يطلبوا هم عملا.
أخيرا، إن كان من حقك أن تعمل، فواجبك الأمانة في العمل، والإنتاج والاتقان، وحسن التعامل، وتأدية واجبك بدون تراخ، وتنمية مقدراتك..
حقوق اجتماعية:
o من حق الإنسان الناضج أن يتزوج، وأن تكون له أسرة.
ومن واجبه حسن المعاشرة، حتي لا يؤول الزواج إلي طلاق.. ومن حق الابناء في الأسرة أن ينالوا الرعاية الكاملة من الآباء والأمهات. ومن واجبهم إكرام الوالدين، وطاعتهما في داخل محبة الله.
من حق الوالدين ان يكون لهما أبناء. ومن واجبهما مراعاة تنظيم الأسرة، فلا ينجبان بأسلوب يؤدي إلي التضخم السكاني، وما يتبعه من مشاكل اقتصادية.
o من حق الإنسان أن يتمتع بالحب: يَحب، ويُحَب
ومن واجبه ان يكون نزيها طاهرا في محبته لغيره، وبخاصة مع الجنس الآخر. فلا يتحول حبه إلي مجرد شهوة جسدية تؤول إلي نجاسة! ومن واجب الإنسان أن يبعد عن الأنانية في محبته. بل يحب الاخرين ويبذل من أجلهم، ويحتمل. ويجعل محبته مشاعا للكل بلا تحيز.
o من حق الإنسان أن يكون له سكن يأوي إليه
ومن واجبه أن يحرص علي حسن الجوار، فلا يؤذي جاره ولا يضايقه. كما يجب عليه الحرص علي جمال ونظافة البيئة التي يعيش فيها.
o من حق الإنسان أن يمتلك، وأن يقتني، وأن يربح
ومن واجبه ان يكون ذلك في حدود المعقول، وفي نطاق الربح الحلال، بعيدا عن الجشع والاحتكار. فله أن يملك المال، ولكن لا يسمح للمال أن يملكه، ويصبح هدفه في الحياة! كما من واجبه أيضا ان يستخدم ماله في الخير، وأن يعطي منه للمحتاجين والمعوزين. ويحتفظ في حياته بموازنة سليمة بين الأخذ والعطاء، بل يعطي أكثر مما يأخذ.
o من حق الإنسان أن يتمتع بالراحة
ومن واجبه انه لا يبني راحته علي تعب الاخرين، وألا تتحول راحته إلي لون من الكسل أو التراخي. كما لا يطلب الراحة علي حساب عمله والإخلاص لواجباته. وتكون الراحة في الوقت المناسب وبالقدر المناسب.
حقوق سياسية
o أول حق سياسي للإنسان هو حق المواطنة. وواجبه هو الولاء لهذا الوطن، واحترام الدولة ومؤسساتها وقوانينها.
o ومن حقوقه السياسية حق الانتخاب في حدود النظام العام. ومن واجبه الذهاب إلي مكان الانتخاب، والإدلاء بصوته حسب ضميره.
o ومن حقوقه المساواة، في نطاق المؤهلات والكفاءة والمقدرة.
o من حقه أيضا الدفاع عن النفس، ومن واجبه ان يكون صادقا وعادلا في دفاعه عن نفسه. ولا يظلم غيره ويلقي عليه التبعة دون وجه حق.
o ومن حق الإنسان الحرية في حدود القانون. ومن واجبه ان يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم.
o ومن حقه إبداء رأيه ونشره، واستخدام حرية الصحافة. ولكن هذا كله يقابله واجب الحفاظ علي سمعة الاخرين وعدم التشهير بهم. وأن يحتفظ بأدب الحوار. له ان يتكلم، وواجبه ان يتكلم حسنا.
أخيرا، ما أطول موضوع الحقوق والواجبات، وكل ما ذكرناه هو مجرد مثال.
[b]