القديس العظيم الأنبا تكلاهيمانوت الحبشي الأثيوبي
للقديس تكلاهيمانوت مكانة خاصة لدى الكنيسة الأثيوبية بكونه من أعمدة الرهبنة الأثيوبية وسبب خلاص لكثيرين.
تزوج والده الكاهن ساجازآب أو سكارات (تعني عطية الآب) بفتاة تدعى سارة جميلة جدًا وغنية، وقد عاشا في حياة تقوية، وكان محبين للفقراء والمساكين. إذ لم يهبهما الله طفلاً طلبت الزوجة من رجلها أن يقوما بتوزيع كل ممتلكاتهما على الفقراء وعتق جميع العبيد والجواري، وإذ طلب ألاّ تتسرع أصرت على موقفها، ففرح بمشورتها، وتمم شهوة قلبها. حزن العبيد والجواري إذ كانوا يشعرون أنهم أهل البيت وطلب بعضهم أن يبقوا معهما في البيت فقبلا ذلك ليعيش الكل كإخوة.
إذ صار متالومي ملك الداموت يضطهد المسيحيين بعث بعسكره في كل موقع حوله ليمارسوا أعمال العنف، فبلغ أحد الجند إلى بيت الكاهن وأراد قتله بالرمح لكن الكاهن هرب، وإذ وجد بحيرةٍ غاص فيها. ووقف الجندي على الشاطئ ينتظر خروجه ليرميه بالرمح. إذ تأخر الكاهن جدًا تيقن الجندي أنه قد غرق. لكن الكاهن إذ غاص وجد رئيس الملائكة ميخائيل قد أحاط به وظلله ليصير كمن تحت خيمة حتى خرج ليجد زوجته قد سُبيت والكنيسة قد خُربت، فصار يبكي بمرارة.
رأى العسكر الزوجة سارة فبُهروا بجمالها واقتادوها إلى الملك كهدية. أخبروه بأمرها فطلب حفظها في أحد البيوت وتقديم ثياب فاخرة وذهب وفضة ولآلئ ثمينة تتزين بها، أما هي فصامت عن الطعام الفاخر، وكانت دموعها لا تجف. وفي المساء إذ نام الجميع خلعت الثياب الثمينة، وارتدت ثيابها البسيطة، وصارت تصلي لله، وتطلب خلاصها من هذا الشر، وكانت تطلب شفاعة رئيس الملائكة ميخائيل الذي كانت تُعيِّد له كل شهر وتُقدم في عيده عطايا كثيرة للفقراء. وبالفعل أرسل الله لها رئيس الملائكة يطمئنها ويعزيها، بل ويعدها بطفلٍ مباركٍ يكون بركة لكثيرين.
في الصباح ارتدت الثياب الملوكية، ومضى بها الجند إلى الملك الذي فرح بها جدًا، فقدم هدايا جزيلة للجند، وطلب أن يمضوا بها إلى حيث كرسي المملكة ليقيم احتفالاً رسميًا بزواجه بها في هيكل الوثن. وبالفعل جاء الملك إلى الهيكل وسجد أمام الأوثان، وإذ كانت هي واقفة تنتظر عمل الله معها، حدثت بروق ورعود وزلازل، ونزل رئيس الملائكة ميخائيل ليحملها إلى الكنيسة التي كانت تُصلي فيها مع زوجها الكاهن.
التقت برجلها فظنها إحدى بنات الملوك، إذ كانت تغطي وجهها، لكنها أعلنت عن شخصها وحدثته عن عمل الله معها، فشكرا الله ومجداه على عمله معهما. وفي المساء رأت سارة (كانت تدعى أيضًا مختارة الله) كأن عمودًا منيرًا في وسط بيتها رأسه في السماء، يحتضن فيه طيورًا كثيرة ومتنوعة، وتتطلع إليه شعوب كثيرة وملوك في دهشة، بينما رأى الكاهن كأن شمسًا منيرة تحت سريره وحولها نجوم كثيرة تضيء على المسكونة. في تلك الليلة حملت سارة بالطفل المبارك، الذي ولد في 24 كيهك.
طفولته
جاء في سيرته الكثير من أعمال الله معه منذ طفولته، نذكر منها أنه إذ كان والداه قد باعا كل ما حملته مختارة الله (سارة) من ثياب فاخرة وذهب وفضة ولآلئ جاءت بها من عند الملك، وقاما بتوزيعه على الفقراء، جاء عيد رئيس الملائكة ميخائيل وكانت البلاد تعاني من مجاعة شديدة. فكانت مختارة الله تبكي مشتاقة أن تُقدم شيئًا للمساكين. وإذ رأى الطفل الرضيع دموعها أشار بيده نحو حفنة دقيق، ووضع يده عليها فصار الدقيق يفيض بكثرة. أسرعت الأم وقدمت كل ما لديها في مطبخها ليضع الرضيع يده عليه فصار لديها فيض من البركات قدمته للمساكين.
عُمِّد هذا الطفل ودُعي اسمه فيشهاسيون أي "فرح صهيون". وقد تربَّى على حياة التقوى والعبادة بروح نسكية مع اتضاع وحب للجميع.
سيامته
إذ بلغ الخامسة عشرة من عمره سامه الأنبا كيرلس مطران الحبشة شماسًا، وكان ذلك في عهد الأنبا بنيامين. استقبله المطران بحفاوة وقبَّله معلنًا عنه أنه محبوب من الله وأن ملاك الرب يرافقه ممسكًا في يده سيفًا من النار.
عاش في حياة الطهارة والعفة، وعندما حاول والداه أن يزوِّجاه رفض مُعلنًا عن رغبته في الحياة البتولية، ولما ألزماه عاش مع زوجته كأخٍ مع أخته حتى رقدت في الرب.
سامه الأنبا كيرلس كاهنًا يساعده في الخدمة، ثم تنيحت والدته في 22 مسرى وبعد أربعة أيام تنيح والده في 26 مسرى من نفس العام.
عاش هذا الشاب الكاهن في بيت والديه سبع سنوات، وإذ خرج يومًا ليصطاد وحوشًا ظهر له رئيس الملائكة ميخائيل، وقال له إن هذا العمل لا يليق بالكهنة إنما يلزم أن يكرس كل حياته للصلاة ودراسة الكتاب والتعليم، وأن الله قد وهبه عطية شفاء المرضى وصنع المعجزات، وأن اسمه لا يُدع بعد فيشهاسيون (فرح صهيون) وإنما تكلاهيمانوت. قيل إنه رأى أيضًا السيد المسيح الذي وضع يده عليه وباركه بعد أن دعاه للعمل الكرازي ووعده أن يكون معه ويسنده.
قام القديس تكلاهيمانوت بتوزيع كل أموال والديه على الفقراء وودَّع أهل مدينته، وانطلق يكرز ويبشر